فصل: (سورة النحل: آية 78)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النحل: آية 78]

{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)}.
قرئ {أُمَّهاتِكُمْ} بضم الهمزة وكسرها، والهاء مزيدة في أمات، كما زيدت في أراق، فقيل: أهراق، وشذت زيادتها في الواحدة قال:
أُمَّهَتِى خِنْدِفٌ وَإلْيَاسُ أبىِ

{لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} في موضع الحال، ومعناه: غير عالمين شيئًا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون، وسوّاكم وصوّركم، ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة، وقوله {وَجَعَلَ لَكُمُ} معناه: وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به، من شكر المنعم وعبادته، والقيام بحقوقه، والترقي إلى ما يسعدكم، والأفئدة في فؤاد، كالأغربة في غراب، وهو من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة، والقلة إذا لم يرد في السماع غيرها، كما جاء شسوع في جمع شسع لا غير، فجرت ذلك المجرى.

.[سورة النحل: آية 79]

{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماء ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)}.
قرئ: {لم يروا} بالتاء والياء {مُسَخَّراتٍ} مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك، والجوّ: الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلوّ والسكاك.

.[سورة النحل: آية 80]

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثًا وَمَتاعًا إِلى حِينٍ (80)}.
{مِنْ بُيُوتِكُمْ} التي تسكنونها من الحجر والمدر والأخبية وغيرها، والسكن: فعل بمعنى مفعول، وهو ما يسكن إليه وينقطع إليه من بيت أو إلف {بُيُوتًا} هي القباب والأبنية من الأدم والأنطاع {تَسْتَخِفُّونَها} ترونها خفيفة المحمل في الضرب والنقض والنقل {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ} أي يوم ترحلون خف عليكم حملها ونقلها، ويوم تنزلون وتقيمون في مكان لم يثقل عليكم ضربها. أو هي خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضر جميعًا، على أنّ اليوم بمعنى الوقت وَمَتاعًا وشيئًا ينتفع به إِلى حِينٍ إلى أن تقضوا منه أوطاركم. أو إلى أن يبلى ويفنى، أو إلى أن تموتوا، وقرئ: {يوم ظعنكم}، بالسكون.

.[سورة النحل: آية 81]

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْنانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}.
{مِمَّا خَلَقَ} من الشجر وسائر المستظلات أَكْنانًا جمع كنّ، وهو ما يستكنّ به من البيوت المنحوتة في الجبال والغيران والكهوف {سَرابِيلَ} هي القمصان والثياب من الصوف والكتان والقطن وغيرها {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} لم يذكر البرد، لأنّ الوقاية من الحرّ أهمّ عندهم، وقلما يهمهم البرد لكونه يسيرًا محتملا، وقيل: ما يقي من الحرّ يقي من البرد فدل ذكر الحرّ.

.[سورة النحل: الآيات 82- 83]

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83)}.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} فلم يقبلوا منك فقد تمهد عذرك بعد ما أدّيت ما وجب عليك من التبليغ، فذكر سبب العذر وهو البلاغ ليدل على المسبب {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} التي عددناها حيث يعترفون بها وأنها من اللّه {ثُمَّ يُنْكِرُونَها} بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم: هي من اللّه ولكنها بشفاعة آلهتنا، وقيل: إنكارهم قولهم ورثناها من آبائنا، وقيل: قولهم لولا فلان ما أصبت كذا لبعض نعم اللّه، وإنما لا يجوز التكلم بنحو هذا إذا لم يعتقد أنها من اللّه وأنه أجراها على يد فلان وجعله سببًا في نيلها {وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ} أي الجاحدون غير المعترفين، وقيل: {نِعْمَتَ اللَّهِ} نبوّة محمد عليه السلام، كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عنادًا، وأكثرهم الجاحدون المنكرون بقلوبهم. فإن قلت: ما معنى ثم؟ قلت: الدلالة على أن إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة، لأنّ حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر.

.[سورة النحل: الآيات 84- 85]

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)}.
{شَهِيدًا} نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق، والكفر والتكذيب {ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} في الاعتذار، والمعنى. لا حجة لهم، فدل بترك الإذن على أن لا حجة لهم ولا عذر، وكذا عن الحسن {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ولا هم يسترضون، أي: لا يقال لهم أرضوا ربكم: لأن الآخرة ليست بدار عمل. فإن قلت: فما معنى ثم هذه؟ قلت: معناها أنهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها، وهو أنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة، وانتصاب اليوم بمحذوف تقديره: واذكر يوم نبعث، أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه، وكذلك إذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} كقوله: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ}.. الآية.

.[سورة النحل: الآيات 86- 87]

{وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاء شُرَكاؤنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87)}.
إن أرادوا بالشركاء آلهتهم، فمعنى {شُرَكاؤنَا} آلهتنا التي دعوناها شركاء، وإن أرادوا الشياطين، فلأنهم شركاؤهم في الكفر وقرناؤهم في الغىّ: و{نَدْعُوا} بمعنى نعبد. فإن قلت: لم قالوا: {إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ} وكانوا يعبدونهم على الصحة؟ قلت: لما كانوا غير راضين بعبادتهم فكأن عبادتهم لم تكن عبادة، والدليل عليه قول الملائكة كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ يعنون أن الجن كانوا راضين بعبادتهم لا نحن، فهم المعبودون دوننا. أو كذبوهم في تسميتهم شركاء وآلهة تنزيها للّه من الشريك، وإن أريد بالشركاء الشياطين، جاز أن يكون كاذبين في قولهم: {إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ} كما يقول الشيطان: {إنى كفرت بما أشركتمونى من قبل} {وَأَلْقَوْا} يعني الذين ظلموا، وإلقاء السلم: الاستسلام لأمر اللّه وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا {وَضَلَّ عَنْهُمْ} وبطل عنهم {ما كانُوا يَفْتَرُونَ} من أن للّه شركاء، وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤا منهم.

.[سورة النحل: آية 88]

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذابًا فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88)}.
{الَّذِينَ كَفَرُوا} في أنفسهم، وحملوا غيرهم على الكفر: يضاعف اللّه عقابهم كما ضاعفوا كفرهم، وقيل في زيادة عذابهم حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال تلسع إحداهن اللسعة فيجد صاحبها حمتها أربعين خريفا، وقيل: يخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة برده إلى النار {بِما كانُوا يُفْسِدُونَ} بكونهم مفسدين الناس بصدّهم عن سبيل اللّه.

.[سورة النحل: آية 89]

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هؤُلاء وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}.
{شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني نبيهم، لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم {وَجِئْنا بِكَ} يا محمد {شَهِيدًا عَلى هؤُلاء} على أمتك تِبْيانًا بيانا بليغًا ونظير تبيان: تلقاء في كسر أوله، وقد جوز الزجاج فتحه في غير القرآن. فإن قلت: كيف كان القرآن {تبيانا لِكُلِّ شَيْءٍ}؟
قلت: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين، حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وطاعته، وقيل: وما ينطق عن الهوى، وحثًا على الإجماع في قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} وقد رضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد، مستندة إلى تبيان الكتاب، فمن ثمّ كان تبيانا لكل شيء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا}.
أي: بيَّنَ شَبَهًا فيه بيان المقصود، وفيه قولان:
أحدهما: أنه مَثَلٌ للمؤمن والكافر.
فالذي {لا يقدر على شيء} هو الكافر، لأنه لا خير عنده، وصاحب الرزق هو المؤمن، ابن لِما عنده من الخير، هذا قول عباس، وقتادة.
والثاني: أنه مَثَل ضربه الله تعالى لنفسه وللأوثان، لأنه مالكُ كل شيء، وهي لا تملك شيئًا، هذا قول مجاهد، والسدي.
وذُكر في التفسير أن هذا المثل ضُرب بِقوم كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم قولان:
أحدهما: أن المملوك: أبو الجوار، وصاحب الرزق الحسن: سيده هشام ابن عمرو، رواه عكرمة عن ابن عباس.
وقال مقاتل: المملوك: أبو الحواجر.
والثاني: أن المملوك: أبو جهل بن هشام، وصاحب الرزق الحسن: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قاله ابن جريج.
فأما قوله: {هل يستوون} ولم يقل: يستويان، لأن المراد: الجنس.
وقال ابن الأنباري: لفظ {مَنْ} لفظ توحيد، ومعناها معنى الجمع، ولم يقع المَثَل بعبد معيَّن، ومالك معين، لكن عُنِيَ بهما جماعةُ عبيد، وقومٌ مالكون، فلما فارق من تأويل الجمع، جمع عائدها لذلك.
وقوله تعالى: {الحمد الله} أي: هو المستحق للحمد، لأنه المنعم، ولا نعمة للأصنام، {بل أكثرهم} يعني المشركين {لا يعلمون} أن الحمد لله.
قال العلماء: وصف أكثرهم بذلك، والمراد: جميعهم.
قوله تعالى: {وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم} قد فسرنا البَكَم في [البقرة: 18].
ومعنى {لايقدر على شيء} أي: من الكلام، لأنه لا يَفْهَم ولا يُفهَم عنه.
{وهو كَلٌّ على مولاه} قال ابن قتيبة: أي: ثِقل على وليِّه وقرابته.
وفيمن أُريد بهذا المَثَل أربعة أقوال:
أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فالكافر هو الأبكم، والذي يأمر بالعدل هو المؤمن، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في عثمان بن عفان، هو الذي يأمر بالعدل، وفي مولى له كان يكره الإِسلام وينهى عثمان عن النَّفقة في سبيل الله، وهو الأبكم، رواه إِبراهيم بن يعلى بن مُنْيَة عن ابن عباس.
والثالث: أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه، وللوثن.
فالوثن: هو الأبكم، والله تعالى: هو الآمر بالعدل، وهذا قول مجاهد، وقتادة، وابن السائب، ومقاتل.
والرابع: أن المراد بالأبكم: أُبيُّ بن خلف، وبالذي يأمر بالعدل: حمزة، وعثمان ابن عفان، وعثمان بن مظعون، قاله عطاء.
فيخرج على هذه الأقوال في معنى {مولاه} قولان.
أحدهما: أنه مولىً حقيقة، إِذا قلنا: إِنه رجل من الناس.
والثاني: أنه بمعنى الولي، إِذا قلنا: إِنه الصنم، فالمعنى: وهو ثِقل على وليِّه الذي يخدمه ويزيِّنه.
ويخرج في معنى {أينما تُوَجِّه} قولان.
إِن قلنا: إِنه رجل، فالمعنى: أينما يرسله.
والتوجيه: الإِرسال في وجه من الطريق.
وإِن قلنا: إِنه الصنم، ففي معنى الكلام قولان:
أحدهما: أينما يدعوه، لا يجيبه، قاله مقاتل.
والثاني: أينما توجَّه تأميله إِيّاه ورجاه له، لا يأتِه ذلك بخير، فحذف التأميل، وخلفه الصنم، كقوله: {ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: 194]. أي: على ألسنة رسلك.
وقرأ البزي عن ابن محيصن {أينما تُوَجِهْهُ} بالتاء على الخطاب.
فأما قوله: {لا يأت بخير} فإن قلنا: هو رجل، فانما كان كذلك، لأنه لا يفهم ما يقال له، ولاَ يُفْهَمُ عنه، إِما لكفره وجحوده، أو لِبَكَمٍ به.
وإِن قلنا: إِنه الصنم، فلكونه جمادًا.
{هل يستوي هو} أي: هذا الأبكم {ومن يأمر بالعدل} أي: ومن هو قادر على التكلم، ناطق الحق.
قوله تعالى: {ولله غيب السموات والأرض} قد ذكرناه في آخر [هود: 123]، وسبب نزول هذه الآية أن كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ متى الساعة؟ فنزلت هذه، قاله مقاتل.
وقال ابن السائب: المراد بالغيب هاهنا: قيام الساعة.
قوله تعالى: {وما أمر الساعة} يعني: القيامة {إِلاَّ كلمح البصر} واللمح: النظر بسرعة، والمعنى: إِن القيامة في سرعة قيامها وبعث الخلائق، كلمح العين، لأن الله تعالى يقول: {كن فيكون} [البقرة: 117].
{أو هو أقرب} قال مقاتل: بل هو أسرع.
وقال الزجاج: ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها متى شاء.
قوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أُمَّهاتكم} قرأ حمزة: {إِمِّهاتِكم} بكسر الألف والميم، وقرأ الكسائي بكسر الإِلف وفتح الميم، والباقون بضم الألف وفتح الميم، وكذلك في [النور: 61]، و[الزمر: 6]، و[النجم: 32]، ولا خلاف بينهم في الابتداء بضم الهمزة.
قوله تعالى: {وجعل لكم السمع} لفظه لفظ الواحد، والمراد به الجميع، وقد بيَّنَّا علة ذلك في أول [البقرة: 7].
والأفئدة: جمع فؤاد.
قال الزجاج: مثل: غراب وأغربة، ولم يجمع فؤاد على أكثر العدد، لم يقل فيه: فئدان مثل غُراب وغِربان.
وقال أبو عبيدة: وإِنما جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم، غير أن العرب تقدِّم وتؤخِّر، وأنشد:
ضَخْمٌ تُعَلَّقُ أَشْنَاقُ الدِّيَات بِه ** إِذا المِؤُونَ أُمِرَّتْ فَوْقَهُ حَمَلا

الشَّنَق: ما بين الفريضتين.